وظائف المؤمن في شهر الصيام


للمؤمن في شهر رمضان وظائف شرعيَّة، بيَّنها له رسول الله –صلى الله عليه
وسلم- بسنَّته القوليَّة، وسيرته العمليَّة، إذ هو «موسم الخيرات، لأن نعم
الله على عباده فيه زائدة على غيره»(1).

وهذه الوظائف تنظمُ أموراً من الأحكام الشرعيَّة تشمل شهره كلَّه مفعمة بصنائع البرّ، وأعمال التقوى:

أولاً: الصيام:

* وفضله عموماً عظيمٌ، لقوله –صلى الله عليه وسلم- -فيما رواه مسلم-:
«كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ هو لي وأنا أجزي به، فوالذي نفس محمد
بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».

قال الإمام المازري في «المعلم بفوائد مسلم» (2/41):

«تَخصيصه الصوم ها هنا بقوله: « لي» وإن كانت أعمالُ البرّ المُخلصة كلها
له تعالى -لأجل أن الصوم لا يُمكن فيه الرِّياء، كما يُمكن في غيره من
الأعمال؛ لأنَّه كفٌّ وإمساك، وحال المُمسك شبعاً أو لفاقة كحال المُمسك
تقرباً، وإنَّما القصد وما يُبطنه القلب هو المؤثِّر في ذلك، والصلوات
والحج والزَّكاة أعمالٌ بدنيَّة ظاهرةٌ يُمكن فيها الرياء والسُّمعة،
فلذلك خُصَّ الصومُ بما ذكره دونها»

* وفوق هذا الفضل -بعمومه- الفضلُ الخاصُّ الوارد في شهر رمضان؛ لقول
النَّبي –صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له
ما تقدَّم من ذنبه»(2).

ويقول –صلى الله عليه وسلم-: «شهر الصَّبر، وثلاثة أيام من كُلّ شهر صومُ الدهر»(3).

«يعني بشهر الصبر شهر رمضان»(4).

قال ابن عبد البر(5) مبيِّناً: «والصوم في لسان العرب أيضاً الصبر؛
{إنَّما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، وقال أبي بكر ابن الأنباري:
الصوم يُسمى صبراً، لأنَّه حبس النفس عن المطاعم والمشارب، والمناكح
والشهوات».

ثانياً: القِيام:

وهو سنَّة في جماعة طيلة الشهر المبارك، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلةٍ»(6).

وفي فضله يقول –صلى الله عليه وسلم-: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»(7).

وأكملُ الهَدي في العدد الذي يُصَلِّي فيه القيام في رمضان -وغيره- ما
صحَّ عنه وثبت من فعله –صلى الله عليه وسلم- من صلاة الإحدى عشر ركعة،
لأنَّه الأُسوة الكاملة، والقدوة التامَّة.

ثالثاً: الصَّدقة:

إذ الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان أجود ما يكون في رمضان(8).

وهذا الجود يشمل جميع معاني الصدقة ، وأعمال الخير، إذ «الجود هو سعة
العطاء وكثرته»(9)، وهذا شاملٌ لكثير من أعمال البِّر وصنائع المعروف.

رابعاً: تفطير الصائم:

فقد حضّ على ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورتَّب عليه كثير الأجر
وعظيم الثواب، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «من فطر صائماً كان له مثل
أجره، غير أنه لا يُنقص من أجر الصائم شيئاً»(10).

خامساً:قراءة القرآن:

فشهر رمضان هو شهر القرآن، وذلك كما في قوله تعالى: {شهرُ رمضان الذي أنزل فيه القرآن هُدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان}.

وفي السُّنَّة العمليَّة للنبي –صلى الله عليه وسلم- تطبيقُ ذلك، فقد كان
جبريل يُدارس النبي –صلى الله عليه وسلم- القُرآن في كل ليلة من
رمضان(11).

سادساً: العمرة:

فقد روى الشيخان عن النبي –صلى الله عليه وسلم- انَّه قال: «عُمرة في رمضان تعدل حجَّة معي».

فانظروا -رحمكم الله- لهذا الفضل ما أعظمه، وما أفضله!

سابعاً: تحري ليلة القَدر:

قال الله تعالى: {إنَّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلةُ القدر خير من ألف شهر}.

وفي «الصحيحين» أنَّ النَّبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه».

وهي في مفاريد العشر الأواخر من رمضان.

وعن عائشة رضي الله عنها -فيما رواه الترمذي وابن ماجه بالسند الصحيح- قالت: يا رسول الله! إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟

قال: «قولي: اللهم إنَّك عَفُوٌّ تُحب العفو فاعف عنَّي».فهذا -أخي
المسلم- مختصرٌ من القول حول ما ينبغي سلوكه من وظائف شرعيَّة في هذا
الشهر المبارك، وأمّا الوظيفة الكاملة التي يَجب على المسلم حفظُها في شهر
الصبر هذا، فهي الكفُّ عن المساوئ، والصَّبر على الأذى، وحفظ الباطن،
وأداء حقّ الظاهر بالالتزام بأحكام الإسلام والاتباع لسُّنَّة النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
__________________

(1) «فتح الباري» (1/31).

(2) متفق عليه عن أبي هريرة.

(3) رواه النسائي (4/218)، وأحمد (2/263و384)، والطيالسي (315)، والبيهقي (4/293) عن أبي هريرة بسند صحيح.

(4) «التمهيد» (19/61).

(5) المصدر السابق.

(6) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن نصر، عن أبي ذر بسند صحيح.

(7)متفق عليه.

(8) متفق عليه.

(9) «لطائف المعارف» (ص:173) لابن رجب.

(10) رواه احمد والترمذي وابن ماجه عن زيد بن خالد بسند صحيح.

(11) رواه البخاري.