نور السنة وظلمات البدع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نور السنة و ظلمات البدع
المطلب الأول: مفهومها:
السنة لها أهل، ولهم عقيدة،
واجتماع على الحق، فمن المناسب أن أذكر التعريف لهذه الكلمات الثلاث: "عقيدة أهل السنة والجماعة".
أولاً: مفهوم العقيدة لغة واصطلاحاً:
العقيدة لغة:
كلمة
"عقيدة" مأخوذة من العقد والربط، والشد بقوة، ومنه الإحكام
والإبرام، والتماسك والمراصة، يقال: عقد الحبل يعقده: شدّه، ويقال: عقد العهدَ والبيع:
شدّه، وعقد الإزارَ: شده بإحكام، والعقد: ضد الحل
مفهوم العقيدة اصطلاحاً:
العقيدة تطلق على الإيمان
الجازم والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شكٌّ، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد
عليه قلبه وضميره، ويتخذه مذهباً وديناً يدين به؛ فإن كان هذا الإيمان الجازم
والحكم القاطع صحيحاً كانت العقيدة صحيحة كاعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن
كان باطلاً كانت العقيدة باطلة كاعتقاد فرق الضلالة.
ثانياً: مفهوم أهل السنة:
السنة في اللغة: الطريقة والسيرة، حسنة كانت أم قبيحة.
والسنة في اصطلاح علماء العقيدة
الإسلامية:الهدي الذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم وأصحابه: علماً واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي
يجب اتباعها ويُحمد أهلُها، ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي
من أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة
قال الحافظ ابن
رجب رحمه الله: "والسنة هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك
بما كان عليه صلّى الله عليه وسلّم هو وخلفاؤه الراشدون: من الاعتقادات،
والأعمال، والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة"
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله: "السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه؛ بأنه طاعة لله ورسوله سواء فعله
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو فُعِل في زمانه، أو لم يفعله ولم يفعل على
زمانه، لعدم المقتضى حينئذٍ لفعله، أو وجود المانع منه"، وبهذا المعنى تكون السنة:
"اتباع آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، باطناً وظاهراً، وإتباع سبيل السابقين
الأولين من المهاجرين والأنصار"
ثالثاً: مفهوم الجماعة:
الجماعة في اللغة:
مأخوذة من مادة
جمع وهي تدور حول الجمع والإجماع والاجتماع وهو ضد التفرق، قال
ابن فارس رحمه الله: "الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضامّ
الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعاً"
والجماعة في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية:
هم سلف الأمة: من
الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين، الذين اجتمعوا على الحق
الصريح من الكتاب والسنة
وقال عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه: "الجماعة ما وافق الحق وإن
كنت وحدك"، قال نُعيم بن حماد: "يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه
الجماعة، قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذٍ".
المطلب الثاني:
أسماء أهل السُّنَّةِ وصِفَاتِهم:
1- أهل السنة والجماعة:
هم من كان على
مثل ما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وهم المتمسكون بسنة
النبي صلّى الله عليه وسلّم وهم الصحابة، والتابعون، وأئمة الهدى
المُتَّبِعون لَهُم، وهم الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في
أي مكان وفي أي زمان، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة، وسمَّوا بذلك
لانتسابهم لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، واجتماعهم
على الأخذ بها: ظاهراً وباطناً، في القول، والعمل، والاعتقاد.
فعن عوف بن مالك
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”افترقت اليهودُ
على إحدى وسبعين فرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في
النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين فرقة في
النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفْتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين
فرقة، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار“ قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: ”الجماعة“، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمرو: قالوا: ومن هي يا
رسول الله؟ قال: ”ما أنا عليه وأصحابي“
2- الفرقة الناجية:
أي الناجية من النار، لأن النبي
صلّى الله عليه وسلّم استثناها عندما ذكر الفرق وقال: ”كلها في النار إلا واحدة“ أي ليست في النار
3- الطائفة المنصورة:
فعن معاوية رضي
الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا تزال طائفةٌ
من أمتي قائمةٌ بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر
الله وهم ظاهرون على الناس“،
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه نحوه، وعن ثوبان رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك“، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نحوه
4- المعتصمون المتمسكون بكتاب الله
وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم،
وما كان عليه السابقون الأولون
من المهاجرين والأنصار، ولهذا قال فيهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”ما أنا عليه
وأصحابي“، أي هم
من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
5- هم القدوة الصالحة الذين يهدون
إلى الحق وبه يعملون،
قال أيوب السختياني رحمه
الله: "إن من سعادة الحدَثَ والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة"،
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إن لله عباداً يُحيي بِهمُ البلادَ وهم أصحاب السنة ومن
كان يعقل ما يَدخُلُ جَوفَهُ من حِلّه كان من حزب الله"
.
6- أهل السنة خيار الناس ينهون عن
البدع وأهلها:
قيل لأبي بكر بن عياش من
السني؟ قال: "الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصب إلى شيء منها" وذكر ابن تيمية رحمه
الله: أن أهل السنة هم خيار الأمة ووسطها الذين على الصراط المستقيم: طريق
الحق والاعتدال.
7- أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ
غريباً، فطوبى للغرباء“،
وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه، قيل: ومن الغرباء؟ قال: ”النُّزَّاع من القبائل“، وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله عن عبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟
قال: ”أناس صالحون في أناس سوءٍ كثير
من يعصهم أكثر ممن يطيعهم“،
وفي رواية من طريق آخر: ”الذين يصلحون إذا فسد
الناس“، فأهل
السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع والأهواء والفرق.
8- أهل السنة هم الذين يحملون العلم:
أهل السنة هم الذين
يحملون العلم وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ ولهذا
قال ابن سيرين رحمه الله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد،
فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فَيُنْظَرُ إلى
أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"
9- أهل السنة هم الذين يحزنُ الناسُ
لفراقهم:
قال أيوب السختياني
رحمه الله: "إني أُخبرُ بموت الرجل من أهل السنة
فكأنما أفقد بعض أعضائي"، وقال: "إن الذين يتمنون موتَ أهل
السُّنَّةِ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون".
المطلب الثالث:
السنة نعمةٌ
مطلقة:
النعمة نعمتان: نعمة
مطلقة ونعمة مقيدة:
أولاً: النعمة المطلقة:
هي المتصلة بسعادة الأبد،
وهي: نعمة الإسلام، والسنة؛ فإن سعادة الدنيا والآخرة، مبنية
على أركان ثلاثة: الإسلام، والسنة، والعافية في الدنيا والآخرة. ونعمة الإسلام والسنة هي النعمة
التي أمرنا الله عز وجل أن نسأله في صلاتنا أن
يهدينا صراط أهلها، ومن خصهم بها، وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}[النساء: 69].
فهؤلاء الأصناف
الأربعة هم أهل هذه النعمة المطلقة، وأصحابها المعنيون بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة: 3]، فكان الكمال في جانب الدين، والتمام في جانب النعمة، قال عمر
بن عبد العزيز رحمه الله: "إن للإيمان حدوداً، وفرائض، وسنناً،
وشرائع، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان"
.
ودين الله هو شرعه المتضمن
لأمره ونهيه، ومحابه، والمقصود أن النعمة المطلقة هي التي اختصت بالمؤمنين، وهي
نعمة الإسلام والسنة، وهذه النعمة هي التي يفرح بها في الحقيقة، والفرح بها مما يحبه
الله ويرضاه، قال سبحانه وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته: الإسلام
والسنة، وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما، وكلما كان أرسخ فيهما كان
قلبه أشدَّ فرحاً، حتى أن القلب ليرقص فرحاً إذا باشر روح السنة أحزن ما يكون
الناس وهو ممتلىء أمناً أخوف ما يكون الناس".
ثانياً: النعمة المقيدة:
كنعمة الصحة،
والغنى، وعافية الجسد، وبسط الجاه، وكثرة الولد،
والزوجة الحسنة، وأمثال هذا، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر، والمؤمن والكافر؛ وإذا
قيل: لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق، والنعمة المقيدة تكون
استدراجاً للكافر والفاجر، ومآلها إلى العذاب والشقاء لمن لم يرزق النعمة المطلقة
.
المطلب الرابع: منزلة السنة:
السنة:
حصن الله الحصين
الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه الأعظم الذي من
دخله كان إليه من الواصلين، وهي تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها
بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارهم، وأهل السنة هم المبيضة وجوههم
إذا اسودَّت وجوه أهل البدعة، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ}[آل عمران: 106]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف،
وتسود وجوه أهل البدعة والتفرق"، والسنة هي الحياة
والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه، قال الله جل
وعلا: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[الأنعام: 122]، والله الموفق.
المطلب الخامس: منزلة صاحب السنة وصاحب البدعة:
أولاً: منزلة صاحب السنة:
صاحب السنة حي القلب،
مستنير القلب، وقد ذكر الله عز وجل الحياة والنور في كتابه في غير موضع وجعلهما
صفة أهل الإيمان، فإن القلب الحي المستنير: هو الذي عقل عن الله، وأذعن،
وفهم عنه، وانقاد لتوحيده، ومتابعة ما بعث به رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقد كان النبي صلّى
الله عليه وسلّم يسأل الله تعالى أن يجعل له نوراً: في
قلبه، وسمعه، وبصره، ولسانه، ومن فوقه، ومن تحته، وعن يمينه، وعن شماله، ومن
خلفه ومن أمامه، وأن يجعل له نوراً، وأن يجعل ذاته نوراً، وفي بشره، ولحمه، وعظمه،
ولحمه، ودمه، فطلب صلّى الله عليه وسلّم النور لذاته، ولأبعاضه، ولحواسه
الظاهرة والباطنة، ولجهاته الست، والمؤمن مدخله نور، ومخرجه نور، وقوله نور، وعمله
نور، وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر لصاحبه يوم القيامة، فيسعى بين يديه،
ويمينه، فمن الناس من يكون نوره: كالشمس، وآخر كالنجم، وآخر كالنخلة
الطويلة، وآخر كالرجل القائم، وآخر دون ذلك، حتى أن منهم من يُعطى نوراً على رأس إبهام
قدمه يضيء مرة ويطفىء أخرى، كما كان نور إيمانه ومتابعته في الدنيا كذلك، فهو
هذا بعينه يظهر هناك للحس، والعيان
ثانياً: علامات أهل السنة كثيرة،
يدركها العقلاء من
البشر ومن أهم تلك العلامات:
الاعتصام بالكتاب والسنة،
والعض على ذلك بالنواجذ.
التحاكم إلى الكتاب
والسنة في الأصول والفروع.
حبهم لأهل السنة والمتمسكين
بها وبغضهم لأهل البدع.
لا يستوحشون من قلة
السالكين؛ لأن الحق ضالة المؤمن يأخذ به ولو خالفه الناس.
الصدق في الأقوال والأفعال،
بالتطبيق الصحيح لهدي الكتاب والسنة.
التأسي برسول الله صلّى
الله عليه وسلّم الذي كان خلقه القرآن
ثالثًا: منزلة صاحب البدعة:
صاحب البدعة ميت القلب،
مظلمه، وقد جعل الله الموت والظلمة صفة من خرج عن الإيمان، والقلب الميت المظلم
الذي لم يعقل عن الله، ولا انقاد لما بعث به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى هذا الضرب من الناس بأنهم أموات غير أحياء، وبأنهم
في الظلمات لا يخرجون منها، ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم في جميع حياتهم،
فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وأعمالهم مظلمة،
وأقوالهم مظلمة، وأحوالهم كلها مظلمة، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة، وإذا قسمت الأنوار
يوم القيامة دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات، ومدخلهم في النار مظلم،
وهذه الظلمة، التي خلق فيها الخلق أولاً، فمن أراد الله سبحانه وتعالى به السعادة
أخرجه منها إلى النور، ومن أراد به الشقاوة تركه فيها
******
المبحث الثاني
: ظلمات البدعة
المطلب الأول: مفهومها:
البدعة: لغة:
الحدث في الدين بعد
الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي صلّى الله عليه
وسلّم من الأهواء والأعمال() ويقال: "ابتدعتُ الشيء، قولاً أو فعلاً
إذا ابتدأته عن غير مثال سابق"، وأصل مادة "بدع" للاختراع على غير مثال سابق،
ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[البقرة: 117، الأنعام: 101] أي: مخترعهما من غير مثال سابق متقدم
والبدعة في
الاصطلاح الشرعي لها عدة تعريفات عند العلماء
يكمل بعضها بعضاً، منها:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "البدعة في الدين: هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلّى
الله عليه وسلّم: وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا
استحباب"
"والبدعة نوعان:
نوع في الأقوال
والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، وهذا الثاني يتضمن
الأول كما أن الأول يدعو إلى الثاني". "وكان الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم: أن الأعمال عبادات وعادات"، فالأصل في العبادات أنه لا يشرع منها إلا ما شرعه
الله، والأصل في العادات أنه لا يحظر منها إلا ما حظر الله"
وقال أيضاً: "والبدعة ما خالف الكتاب والسنة، أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات: كأقوال
الخوارج، والروافض، والقدرية، والجهمية، وكالذين يتعبدون بالرقص والغناء
في المساجد، والذين يتعبدون بحلق اللحى، وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع
التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم"
2- قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعيَّة، يُقصدُ بالسلوك عليها المبالغة
في التعبد لله سبحانه".
وهذا على رأي من لا
يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصُّها بالعبادات، وأما على رأي
من أدخل الأعمال العاديّة في معنى البدعة، فيقول "البدعة: طريقة في الدين مخترعةٌ، تضاهي الشّرعيّة،
يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية".
ثم قرر رحمه الله تعالى
على تعريفه الثاني أن العادات من حيث هي عادية لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبد بها،
أو توضع وضع التّعبُّد تدخلها البدعة، فحصل بذلك أنه جمع بين التعريفين ومثل للأمور
العادية التي لابد فيها من التعبُّد: بالبيع، والشراء، والنكاح،
والطلاق، والإيجارات، والجنايات ... لأنها مقيدة بأمور وشروط وضوابط شرعية لا
خيرة للمكلف فيها.
3- وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى
: "والمراد بالبدعة ما أُحدث مما
لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة
شرعاً، وإن كان بدعة لغةً، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من
الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال،
أو الأقوال الظاهرة والباطنة. أما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما
ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس
في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك قال: "نعمة البدعة هذه".. ومراده رضي الله عنه أن هذا
الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له
أصول من الشريعة يرجع إليها.
فمنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحث على قيام رمضان، ويرغب
فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات
متفرقة ووحداناً، وهو صلّى الله عليه وسلّم صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم
امتنع من ذلك مُعللاً، بأنه خشي أن يُكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد
أُمن بعده صلّى الله عليه وسلّم.
ومنها:
"أنه صلّى
الله عليه وسلّم أمر بإتباع سنة خلفائه الراشدين وهذا قد صار من سنة
خلفائه الراشدين"
والبدعة بدعتان:بدعة مكفرة تخرج عن الإسلام،
وبدعة مفسقة لا تخرج عن الإسلام
بسام السيد