النØاس المدير العام
الجنس : 2613 32 www.elnahaas.yoo7.com المهنة : كيف تعرفت علينا : أخرى ......! 28/01/2009 25 نقاط : 64341
| موضوع: إلى المتثاقلين عن الجهاد (2) الخميس فبراير 12, 2009 9:38 am | |
| اإلى المتثاقلين عن الجهاد (2 كثيرون هم أولئك الذين يتهاوون في الطريق الصاعد إلى الآفاق الكريمة ، كثيرون أولئك الذين يجهدون لطول الطريق فيتخلفون عن الركب ويميلون إلى عرض تافه أو مطلب رخيص كثيرون تعرفهم البشرية في كل زمان ومكان ، فما هي قلة عارضة إنما هو النموذج المكرور . وإنهم يعيشون على حاشية الحياة وإن خُيل إليهم أنهم بلغوا منافع ونالوا مطالب ، واجتنبوا أداء الثمن الغالي ، فالثمن القليل لا يشتري سوى التافه الرخيص .
ولقد كان بعض هؤلاء المعتذرين المتخلفين قد عرض ليمسك العصا من الوسط على طريقة المنافقين في كل زمان ومكان فرد الله عليهم مناورتهم وكلف رسوله أن يعلن أن إنفاقهم غير مقبول عند الله لأنهم إنما ينفقون عن رياء وخوف لا عن إيمان وثقة ، وسواء بذلوه عن رضا منهم بوصفه ذريعة يخدعون بها المسلمين أو عن كره خوفاً من انكشاف أمرهم فهو في الحالتين مردود لا ثواب له ولا يحسب لهم عند الله .
إن هؤلاء لهم نموذج لضعف الهمة وطراوة الإرادة ، وكثيرون هم الذين يشفقون من المتاعب وينفرون من الجهد ، ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ، ويفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز ، وهم يتساقطون إعياء خلف الصفوف الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات ، ولكن هذه الصفوف في طريقها المملوء بالعقبات والأشواك لأنها تدرك بفطرتها أن كفاح العقبات والأشواك فطرة في الإنسان وأنه ألذ وأجمل من القعود والتخلف والراحة البليدة التي لا تليق بالرجال .
إن الدعوات في حاجة إلى طبائع صلبة مستقيمة ثابتة مصممة تصمد في الكفاح الطويل الشاق ، والصف الذي يتخلله الضعاف المسترخون لا يصمد لأنهم يخذلونه في ساعة الشدة فيشيعون فيه الخذلان والضعف والاضطراب فالذين يضعفون ويتخلفون يجب نبذهم بعيداً عن الصف ساعة الشدة ثم يعودون إليه في ساعة الرخاء جناية على الصف كله وعلى الدعوة التي يكافح في سبيلها كفاحه المرير. إن وراء حب الدعة وإيثار السلامة ، سقوط الهمة ، وذلة النفس وانحناء الهامة والتهرب من المراجهة .
في معترك الحياة ومصطرع الأحداث كانت الشخصية المسلمة تصاغ ويوماً بعد يوم وحدثاً بعد حدث كانت هذه الشخصية تنضج وتنمو وتتضح سماتها وكانت الجماعة المسلمة التي تتكون من تلك الشخصيات تبرز إلى الوجود بمقوماتها الخاصة وطابعها المميز بين سائر الجماعات . وكانت الأحداث تقسو على الجماعة الناشئة حتى لتبلغ أحياناً درجة الفتنة وكانت فتنة كفتنة الذهب تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها فلا تعود خليطاً مجهول القيم .
وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه يصور الأحداث ويلقي الأضواء في منحنياتها وزواياها فتنكشف المواقف والمشاعر والنوايا والضمائر ، ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة النور عارية من كل رداء وستار ، ويلمس فيها مواضع التأثر والاستجابة ويربيها يوماً بعد يوم وحادثاً بعد حادث ويرتب تأثراتها واستجاباتها وفق منهجه الذي يريد .
ولم يترك المسلمون لهذا القرآن يتنزل بالأوامر والنواهي وبالتشريعات والتوجيهات جملة واحدة ، إنما أخذهم الله بالتجارب والابتلاءات ، والفتن والامتحانات ، فقد علم الله أن هذه الخليقة لا تصاغ صياغة سليمة ولا تنضج نضجاً صحيحاً ، ولا تصح ولا تستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية التي تحفر في القلوب وتنقش في الأعصاب وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة ومصطرع الأحداث ، أما القرآن فيتنزل ليكشف لهذه النفوس عن حقيقة ما يقع ودلالته ، وليواجه تلك القلوب وهي منصهرة بنار الفتنة ساخنة بحرارة الابتلاء قابلة للطرق مطاوعة للصياغة . إن الله لم يدع المسلمين للمشاعر وحدها تربيهم وتنضج شخصيتهم المسلمة ، بل أخذهم بالتجارب الواقعية والابتلاءات التي تأخذ منهم وتعطي ، وكل ذلك لحكمة يعلمها وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وهذه هي التربية الحقيقية .
هذه الحكمة تستحق أن نقف أمامها طويلاً ، ندركها ونتدبرها ، ونتلقى أحداث الحياة وامتحاناتها على ضوء ذلك الإدراك وهذا التدبير . إن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر يدفعها في الطريق المرسوم ، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة . والموت أو القتل لا مفر من لقائه في موعده لا يستقدم لحظة ولا يستأخر . ولن ينفع الفرار من دفع القدر المحتوم عن فار فإذا فروا فإنهم ملاقون حتفهم المكتوب في موعده القريب وكل موعد في الدنيا قريب ، وكل متاع فيها قليل ، ولا عاصم من الله ولا من يحول دون نفاذ مشيئته سواء أراد بهم سوءاً أو أراد بهم رحمة ولا مولى لهم ولا نصير من دون الله يحميهم ويمنعهم من قدر الله ... يتبع
---------------------
| |
|