النØاس المدير العام
الجنس : 2613 32 www.elnahaas.yoo7.com المهنة : كيف تعرفت علينا : أخرى ......! 28/01/2009 25 نقاط : 64341
| موضوع: القدس بين أهل الحق وأهل الباطل الثلاثاء ديسمبر 08, 2009 2:10 am | |
|
منذ أقدم العصور وحتى اليوم | القدس بين أهل الحق وأهل الباطل | | د. خالد يونس الخالدي
يلاحظ المتأمل في تاريخ القدس منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا أن هذه المدينة المقدسة هي مركز الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل منذ فجر التاريخ. وأن كلاً من أهل الحق وأهل الباطل يتعاقبون على حكمها، فتكون تحت حكم المؤمنين الموحدين، وتبقى في أيديهم ما داموا ملتزمين بدينهم متمسكين بشريعة ربهم، فإذا ما انحرفوا عن دينهم وتخلوا عن مبادئهم، وأصابهم الترف والفساد سلط الله عليهم عدوه وعدوهم، فأخرجهم منها، بعد أن ينزل بهم القتل والتشريد والذل والهوان، وتظل القدس أسيرة محكومة للباطل ولا تعود إلى أهل الحق مهما طال الزمن حتى يعودوا إلى ربهم ويلتزموا بدينهم ويجاهدوا عدوهم. وهذه الحقيقة يؤكدها تاريخ القدس منذ أقدم العصور، وسوف أبينها من خلال النقاط الموجزة الآتية: أولاً:الذي حكم القدس زمن إبراهيم عليه السلام(حوالي1900ق.م) هم المؤمنون الموحدون، فقد كان حاكمها هو المؤمن الموحد "ملكي صادق" صديق النبي إبراهيم، وقد حكمها بشريعة الله، وكان دينهم الإسلام"ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين". وكان الإمام في هذه الأرض المقدسة هو إبراهيم ومن بعده عدد من أبنائه وأحفاده المؤمنين المسلمين، يؤكد ذلك قول الله تعالى:" وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك لناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"البقرة124، وقوله سبحانه:"ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين"الأنبياء72-73. وعندما توجه يعقوب عليه السلام إلى مصر ومعه عدد من أبنائه ليلتقوا بيوسف عليه السلام ويعيشوا في مصر ترك يعقوب في بيت المقدس أئمة من أتباعه يحكمونها، وظلت تحت حكمهم نحو خمسة قرون إلى أن انحرفوا عن دينهم، فسلط الله عليهم قوماً جبارين من أهل الباطل فسيطروا عليها، ونكلوا بالمنحرفين الفاسدين، وكان ذلك في زمن رسالة موسى عليه السلام في مصر أي زمن رمسيس الثاني(1301-1234ق.م). ثانياً: كلف الله موسى عليه السلام بتحرير الأرض المقدسة بمن معه من المؤمنين، لأنه لا يجوز لأهل الحق أن يتركوها مغتصبة في أيدي أهل الباطل، فأمر موسى قومه بالتوجه إليها بعد أن نجاهم الله من فرعون وجنده، لكنهم رفضوا بحجة أن فيها قوماً جبارين، وأصروا على الرفض فعاقبهم الله بالتشرد والذل، وهذا مصير كل من لا يسعى من المسلمين إلى تحرير القدس، أما موسى عليه السلام فقد سأل الله أن يفرق بينه وبين قومه الظالمين، وأن يموت قريباً من القدس فحقق الله له ما أراد. ويحكي الله تعالى هذه الحادثة فيقول:"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين* يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين* قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون* قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين* قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون*قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين* قال فإنها محرمة عليهم، أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين". ثالثاً: اندثر الجيل الجبان المنحرف من قوم موسى، وخرج جيل مؤمن قاده قائد رباني هو النبي يوش بن نون، تمكن من تحرير القدس، حوالي سنة1190ق.م" وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم". ويلاحظ أن النصر والتحرير لم يتحقق بكل من ادعى الإسلام، وأنه من أتباع يوشع، بل تحقق فقط بالفئة القليلة المؤمنة التي لا يشغل قلوب أفرادها أي شيء من الدنيا، وعن يوشع بن نون وتنقية صفه يحدثنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم فيقول:"غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني منكم رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه". رابعاً: ظلت بيت المقدس في يد الفئة المؤمنة من أتباع يوشع بن نون مدة من الزمن إلى أن خرج منهم جيل منحرف ظالم، فجرت فيهم سنة الله في المنحرفين الظالمين، إذ سلط الله عليهم من أهانهم واغتصب أرضهم وسامهم سوء العذاب، وهم جالوت وجنوده الذين يرجح أنهم الآشوريون" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاَ بما كانوا يكسبون"، "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم". وقد ظلت القدس في قبضة جالوت وجنوده إلى أن عاد أهل بيت المقدس إلى دينهم، وخرجت منهم فئة مؤمنة ربانية مجاهدة قادها الملك المؤمن طالوت(سنة1025ق.م)، وكان من بين جنده المؤمنين داوود عليه السلام. ولأنه لا يصلح لتحرير القدس إلا الصالحون الصادقون الأتقياء قرر طالوت أن يمحص صفه وينقيه من ضعاف الإيمان، فاختبرهم اختبارات عدة، ولم يواجه عدوه إلا بفئة قليلة مؤمنة نجحت في كل مراحل التمحيص والاختبار، ويصور الله سبحانه هذا التمحيص وما حصل بعده من نصر لعباده الصادقين فيقول:"ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى، إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، قال: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين* وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً، قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم* وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين*فلما فصل طالوت بالجنود قال: إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني، إلا من اغترف غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين* ولما برزوا لجالوت وجنوده، قالوا ربنا أفرغ علنا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة، وعلمه مما يشاء، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين* تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، وإنك لمن المرسلين". خامساً: أقام داوود عليه السلام(1004-963ق.م) دولة خلافة إسلامية في الشام، وورث الحكم بعده ابنه سليمان عليه السلام، واستمر حكمه إلى سنة(923ق.م). وكانت عاصمتهما القدس، ويعد عصر هذه الدولة العصر الذهبي لبيت المقدس. وما يؤكد إسلامية هذه الدولة أن الأنبياء كلهم مسلمون، فسليمان عليه السلام عندما دعا بلقيس ملكة سبأ إلى دينه دعاها إلى الإسلام إذ أرسل إليها يقول:"إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلو علي وأتوني مسلمين"، وعندما قررت بلقيس الدخول في دين سليمان قالت:" وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين"، وقد أكد هذا المفهوم آيات عديدة منها قول الله تعالى:" ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين". وما يؤكد أن دولتهما كانت دولة خلافة قول الله تعالى:"يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض"، وقوله سبحانه عن داود عليه السلام:" وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين"، واعتراف سليمان بعظمة ملكه إذ قال:"وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين"، وبامتلاكه جيشاً قوياً متميزاً من الجن والإنس" وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون"، " والشياطين كل بناء وغواص". وقد بنى سليمان عليه السلام مسجداً هو المسجد الأقصى وليس الهيكل المزعوم، ولا شك أن المسلمين هم الأولى بهذا المسجد لأنهم الملتزمون بالإسلام دين سليمان عليه السلام والمقدرون له، بينما كفر به اليهود وضلوا واتهموا نبيهم بأشنع التهم، وقد جدد سليمان بناء هذا المسجد الذي سبق أن بناه آدم عليه السلام في المكان نفسه، يفهم ذلك عند الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم: :"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض، قال المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال أربعون عاماً..." وقوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم:"إن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثة: حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهره إلا الصلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه". سادساً: استمر حكم داود وسليمان حوالي ثمانين عاماً، ثم انحرف بنو إسرائيل عن عقيدة أنبيائهم(الإسلام)، وأخذت زاوية الانحراف تزداد بالتدريج، وانقسمت مملكة سليمان إلى قسمين شكلا دولتين منفصلتين في كثير من الأحيان، عرفت إحداهما بمملكة إسرائيل(923-721ق.م)، بينما سميت الأخرى مملكة يهودا(923-586ق.م)، وقد عانت هاتان الدولتان من الفساد العقائدي والأخلاقي، وانتشر الترف والانحراف وأدى إلى الضعف العسكري والسياسي. فتحققت فيهم سنة الله تعالى التي تحققت فيمن قبلهم من المنحرفين عن منهج الله، إذ سلط الله على مملكة إسرائيل الملك الآشوري سرجون الثاني فقضى عليها سنة721ق.م ونقل سكانها إلى حران وكردستان وفارس وساموهم سوء العذاب، وأسكنوا مكانهم جماعات من الآراميين، كما سلط الله سبحانه على مملكة يهودا نبوخذنصر فقضى عليها سنة586ق.م وسبى 40ألفاً من أهلها المنحرفين إلى بابل. سابعاً: أرسل الله سبحانه عدداً كبيراً من الأنبياء إلى بني إسرائيل المنحرفين، لعلهم يهتدون ويعودون إلى الإسلام دين أنبيائهم ويستحقون التمكين في الأرض المقدسة، لكنهم كذبوا أنبياءهم وأساءوا إليهم وقتلوا كثيراً منهم، فاستحقوا البقاء في الذل والتشرد والعبودية للعديد من الأقوام. إذ تمكن الإمبراطور الفارسي قورش الثاني من احتلال القدس بعد أن أسقط الدولة البابلية الكلدانية سنة 539ق.م، وقد أعاد قورش جزءاً من اليهود إلى القدس مكافأة لهم على مساعدتهم له ضد البابليين، فعاشوا فيها تحت حكم الفرس، ثم خضعت القدس لاحتلال الإسكندر المقدوني سنة 332ق.م، فعاش اليهود خاضعين لليونان، وانقسموا وزادت خلافاتهم بسبب تنافسهم على الولاء لحكامهم، ثم خضعت القدس سنة37ق.م لاحتلال الرومان الذين نصَّبوا عليها هيرودس الذي تهود وقتل -بتحريض من اليهود- نبي الله يحيى ثم أبوه النبي زكريا، ورمى اليهود مريم بنت عمران بالزنى، وهموا بقتل عيسى عليه السلام، وظنوا أنهم قتلوه لكن الله نجاه منهم ورفعه إليه. ثامناً: ثار اليهود على الحكم الروماني، انتقاماً من الروم ورغبة في الاستقلال بحكم القدس، لكنهم فشلوا لأنهم كانوا يكفرون بربهم ويقتلون أنبياءهم، والأرض المباركة المقدسة لا يمكن أن تحرر إلا على أيدي المسلمين المؤمنين، وقد سلط الله على اليهود بعد ثورتهم القائد الروماني تيتوس فغزا القدس سنة 70م، وقتل من فيها من اليهود وسبى ذراريهم وهدم المدينة. تاسعاً: ظلت بيت المقدس وأرض الشام في قبضة المحتل الأوروبي(الرومي) حتى قيض الله لها الأمة المسلمة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام-رضوان الله عليهم- فحرروها، إذ تسلم مفاتيحها عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- سنة 16هـ . ولم ينسَ عمر أن يوضح للمسلمين معالم الطريق إلى القدس، وسبيل بقائها تحت حكمهم، فقال:" إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله". وقبل أن يغادر بيت المقدس خطب خطبة دفع المسلمون وما زالوا يدفعون ثمناً باهظاً عندما أهملوها ولم يعملوا بوصيته فيها، إذ قال:" يا أهل الإسلام، إن الله تعالى قد صدقكم الوعد، ونصركم على الأعداء، وأورثكم البلاد، ومكَّن لكم في الأرض، فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشكر، وإياكم والعمل بالمعاصي، فإن العمل بالمعاصي كفر بالنعم، وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفرغوا إلى التوبة إلا سُلبوا عزَّهم، وسلَّط الله عليهم عدوهم". عاشراً: ظلت القدس في أيدي المسلمين نحو خمسة قرون ينعمون بها وتنعم بهم وبحكمهم لها على منهج الله، وعندما انحرفوا عن دينهم، وتنافسوا على الدنيا، وكثرت معاصيهم، ولم يفرغوا إلى التوبة، سلبوا عزهم وسلط الله عليهم عدوهم، فسقطت سنة 492هـ في أيدي الصليبيين. وقد سجل التاريخ على الفاطميين الشيعة وواليهم على القدس افتخار الدولة أنهم هم الذين تنازلوا عن القدس للصليبيين مقابل تركهم يحكمون مصر وبعض مناطق الشام، فأمن الصليبيون حاكمهم وحاشيته، وسمحوا بخروجهم آمنين، دون أن يخوضوا معهم أي قتال، وترك أهل القدس للصليبيين، فقتلوا منهم أكثر من سبعين ألفاً بينهم الكثير من الفقهاء والعلماء والعباد. أحد عشر: ظلت القدس أسيرة في قبضة الصليبيين إلى أن أخذ المسلمون بأسباب النصر، فعادوا إلى ربهم، والتزموا بدينهم، وزهدوا في الدنيا، ووحدوا كلمتهم على الجهاد في سبيل الله، وتسلم قيادتهم أمراء ربانيون مجاهدون، فحرروها سنة583هـ/1187م. يقول ابن الأثير واصفاً القائد نور الدين محمود بن زنكي الذي حرر معظم الشام وفلسطين وجهز منبراً للمسجد الأقصى، وأوشك على تحرير القدس، لكنه توفي قبل أن يحقق أمنيته:" طالعت تواريخ الملوك المتقدمين إلى يومنا هذا، فلم أرى بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، فقد كان حريصاً على أداء السنن وقيام الليل بالأسحار، ينام بعد صلاة العشاء ثم يستيقظ في منتصف الليل، فيصلي ويتبتل إلى الله بالدعاء حتى يؤذن الفجر، كما كان كثير الصيام". ويتحدث ابن كثير عنه فيقول:" قرأ عليه بعض طلبة الحديث حديثاً مسلسلاً بالتبسم، فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل، فامتنع من ذلك وقال: إني لأستحي من الله أن يراني مبتسماً والمسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط". ويقول ابن شداد واصفاً صلاح الدين الأيوبي الذي تحررت القدس على يديه وأيدي جنده المؤمنين:" حسن العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، ويواظب على السنة والنوافل ويقوم الليل، وكان يحب سماع القرآن وينتقي إمامه، وكان رقيق القلب خاشع الدمعة، إذا سمع القرآن دمعت عيناه، شديد الرغبة في سماع الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله". وعلى طريقة يوشع بن نون وطالوت وغيره من القادة المؤمنين الذين حرروا القدس، لم يقبل صلاح الدين في صفه عاصياً، وعندما تفقد جيشه قبيل معركة حطين وسمع القرآن يتلى من جميع الخيام باستثناء خيمة واحدة أشار إليها وقال: من هنا تأتينا الهزيمة، وطرد جنود هذه الخيمة من جيشه. اثنا عشر: سقطت عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد في قبضة المغول سنة656هـ، بسبب انحراف الخليفة المستعصم وانشغاله باللهو، وتسليم مقاليد الحكم إلى الوزير الشيعي ابن العلقمي الذي تآمر مع المغول على تسليمهم بغداد مقابل تسليم الشيعة حكم العراق، فسرح جيش بغداد الذي كان يتكون من مائة ألف جندي ولم يبق إلا عشرة آلاف، وقطع عنهم الرواتب فصاروا يتسولون في الشوارع، وعندما وصل جيش المغول إلى مشارف بغداد، تظاهر ابن العلقمي بأنه يريد الخروج لمفاوضة هولاكو فإذن له الخليفة، واتفق الوزير الخائن مع هولاكو أن لا يدخل بغداد إلا بعد أن يأتيه بالخليفة وأهل بيته وكل قادة ووجهاء بغداد ليقتلهم، وعاد ابن العلقمي إلى الخليفة ليخبره أن هولاكو لا يريد أن يعود إلا إذا قبل الخليفة أن يزوج ابنه من ابنة هولاكو، ففرح المستعصم بذلك ووافق على مطلب هولاكو، وعندئذ طلب ابن العلقمي أن يخرج جميع قادة ووجهاء بغداد ليحضروا حفل الزواج، فأمرهم الخليفة بالخروج، وخرج الخليفة وأهل بيته ونحو خمسة آلاف من القادة والوجهاء فقتلهم هولاكو جميعاً، وعندما أراد قتل المستعصم نهاه المنجمون عن ذلك، بحجة أن الخليفة ابن عم الرسول(صلى الله عليه وسلم) وأن إراقة دمه ستؤدي إلى زوال ملكه، فامتنع هولاكو عن قتله، لكن العالم الشيعي نصير الدين الطوسي وابن العلقمي أقنعا هولاكو بأن الكثير من أقرباء النبي قتلوا ولم يحصل لمن قتلهم شيء، وأرشداه إلى طريقة تقتله دون أن ينزف دمه، فوضعه هولاكو-حسب نصحهم- في كيس وأمر الجنود بركله بالأقدام، ثم أمر بأن تدوسه الخيل بسنابكها، وقد شهد هذان الخائنان عملية القتل وأظهرا الشماتة في المستعصم، ودخل المغول إلى بغداد وقتلوا نحو مليون مسلم سني من أهلها، وتعاون معهم شيعة العراق، وشاركوا في المذابح وكانوا يركزون على العلماء مثلما فعلوا وما زالوا يفعلون اليوم في العراق الذي شجعوا الأمريكان على غزوه، ودخلوه معهم على ظهور الدبابات الأمريكية، وعملوا جنوداً تحت إمرتهم، وقتلوا عشرات الألوف من السنة واغتالوا آلاف العلماء، مقابل حكم هزيل عميل. ثلاثة عشر: زحف المغول إلى بلاد الشام التي كان أهلها وحكامها وقتئذ منحرفين مترفين عابثين متصارعين، وفرَّ الأمراء عن دويلاتهم الهزيلة وتركوا شعوبهم بلا قيادة، ويروى أن أحد هؤلاء الأمراء أراد أن يتقرب إلى هولاكو ويؤكد له حسن الولاء، فبعث إليه بهدية وهي حذاء مكتوب أسفله اسم ذلك الأمير، ومعه رسالة يقول فيها: إنه فعل ذلك لكي يتشرف عندما يدوس هولاكو على اسمه، وقد تمكن المغول من احتلال الشام دون مقاومة تذكر، وعندما وصلوا إلى غزة بعث هولاكو برسالة إلى حاكم مصر سيف الدين قطز يقول فيها:"اتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا، أي أرض تؤويكم ؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، الحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع". ولسوء حظ هولاكو وجنوده فقد كان قطز حاكماً مؤمناً ربانياً زاهداً مجاهداً، أمر بقتل رسل هولاكو، واستدعى عالم مصر العز بن عبد السلام، وطلب منه أن يحرض الناس على الجهاد، وقام العلماء بدورهم، وتحمس الناس للجهاد في سبيل الله، وتكوَّن جيش مؤمن قرر قائده قطز أن يكون شعاره: "وا إسلاماه"، وأن يخرج الجيش لملاقاة المغول، وأن يحرروا الشام وفلسطين من دنسهم، ودارت معركة عين جالوت، في ( 25-رمضان-658هـ/6-سبتمبر-1260م) وهزم المغول لأول مرة في تاريخهم، وتحررت فلسطين بعد خمسة أشهر فقط من احتلالها، لتخرج الأمة بدرس كبير وهو أن التحرير لا يتأخر عندما يواجه الأعداء بجيش مؤمن يقوده قائد رباني يأخذ بكل أسباب النصر الممكنة، وعندما يقوم علماء الأمة بدورهم في التحريض والبناء والجهاد. أربعة عشر: ظلت بيت المقدس في أيدي المسلمين وكان آخر من حكمها العثمانيين، وقد حافظ عليها القادة المؤمنون المجاهدون، وكان آخرهم السلطان عبد الحميد الذي عرض عليه اليهود أموالاً ضخمة تحل كل مشكلات الدولة العثمانية، مقابل أن يمكنهم من إقامة وطن لهم في فلسطين، فرفض رفضاً قاطعاً وقال:" لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لأنها ليست لي، بل لشعبي، ولقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا"، لكن المنحرفين عن دينهم من العلمانيين والقوميين في حزب الإتحاد والترقي، تآمروا عليه وخلعوه ومنحوا وباعوا الكثير من أراضي فلسطين لليهود. أما المنحرفون من العرب فقد وقفوا مع الإنجليز ضد العثمانيين، وصدَّقوا وعود بريطانيا لهم بأنها ستقيم للعرب دولة عربية كبرى يحكمونها بأنفسهم، فتمردوا على العثمانيين وصاروا يقتلون جنودهم المنتشرين في ديار العرب خدمة لبريطانيا، واستقبلوا بالورود الجيش الإنجليزي عندما احتل القدس في9-ديسمبر-1917م. وظل هؤلاء المنحرفون إلى يومنا هذا يرجون النصرة والعون والتحرير من الإنجليز وإخوانهم الأمريكان، ويرون أن لا حل لمشكلات العرب والمسلمين إلا باتباع المناهج الغربية وتقليدهم حتى في أساليب حياتهم الشاذة المنحرفة، بالرغم من أن الإنجليز قد أعلنوا عن نواياهم منذ اليوم الأول الذي دخلوا فيه إلى القدس، حيث وقف قائدهم ألنبي ليقول في أول تصريح له من القدس:" اليوم انتهت الحروب الصليبية"، وبالرغم من أن القائد الفرنسي غورو قد وقف على قبر صلاح الدين وركله بقدمه وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، وبالرغم من أن بريطانيا قد مكنت لليهود في فلسطين، وبالرغم من المذابح التي ارتكبتها أمريكا وما زالت ترتكبها في العراق. وقد وصل أصحاب هذه القناعات بمساعدة أعداء الأمة والدين إلى الحكم في معظم ديار المسلمين، ولم يفعلوا شيئاً يستحق الذكر لتحرير القدس وفلسطين، فقد كانت حروبهم تمثيلية شكلية دخلوها بهدف أن يُهزَموا، ويقنعوا شعوبهم أنهم لم يقصروا، وأنهم لا قبل لهم باليهود، وأنه لا بد من الاعتراف بدولتهم والسلام معهم، وعندما تحركت الشعوب والحركات الإسلامية لمحاربة إسرائيل عبر الحدود الواسعة للعرب معها، منعها هؤلاء الحكام وصارت المهمة الوحيدة لجيوشهم هي حراسة الحدود لليهود، وقمع كل من يحاول أو يفكر في تحرير القدس، فامتلأت سجونهم بالعلماء والمجاهدين والشرفاء، وقد كان تحرك الإسلاميين مبكراً فقد أرسل الإمام الشيخ حسن البنا برقية إلى الزعماء العرب المجتمعين في جامعة الدول العربية في 3-أكتوبر-1947م يقول فيها: إنه قد جهز عشرة آلاف من الإخوان المسلمين بأسلحتهم كدفعة أولى، ويطلب السماح لهم بالدخول إلى فلسطين لتحريرها من اليهود، لكن حكام العرب رفضوا، فاضطر للتحايل عليهم، إذ تظاهر عدد من الإخوان بأنهم يرغبون في الذهاب إلى سيناء من أجل رحلة علمية، ومن هناك تسربوا بأسلحتهم إلى فلسطين، ومع كثرة الإلحاح على جامعة الدول العربية سُمح لعدد آخر من الإخوان بالدخول ولكن تحت قيادة الجيوش العربية النظامية، وعندما لاحظ اليهود البلاء الحسن للإخوان شكوا إلى أصدقائهم الإنجليز، فصدرت الأوامر إلى قادة الجيش المصري بتجريد الإخوان من أسلحتهم، ووضعهم في المعتقلات، ونفذت الأوامر، ثم سيق الإخوان مكبلين من معتقلاتهم في جنوب غزة إلى سجون مصر، حيث عُذِّبوا وحوكموا، ولا تهمة لهم إلا جِدُّهم وإخلاصهم في قتال اليهود، ثم صدرت الأوامر من ملك مصر فاروق باغتيال البنا، فأطلق عليه الرصاص في 12-فبراير-1949م، ومُنع الأطباء من إسعافه بعد أن وصل بنفسه إلى المستشفى، فظل ينزف إلى أن استشهد-رحمه الله- . لك الله يا أقصى تقنعت باكيـــاً وكل صناديدِ الرجال أسيـــرُ بكيتَ وأيدي الجاهليـات تلتقــي عليك وعجـلٌ السـامريِّ يخورُ يدير رحاها ألف كسـرى وقيصرٍ وألف حيّيٍّ للمديـرِ مديـــرُ خمسة عشر: قاد الإسلاميون في فلسطين حركة الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال، فقد أسس الشيخ أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى مع عبد القادر الحسيني سنة 1935م منظمة الجهاد المقدس، وأسس الشيخ عز الدين القسام سنة1928م المنظمة الجهادية، واستشهد على يد الإنجليز سنة1935م، وفجر أتباعه ثورة 1936م التي هزت الوجود البريطاني في فلسطين واستمرت حتى سنة 1938م، وقد قاموا ضد بريطانيا بآلاف العمليات العسكرية ولم تستطع بريطانيا إيقافها إلا بعد أن استخدمت الطائرات والدبابات وسدس جيشها الإمبراطوري. ستة عشر: انكشف زيف الحكام المنحرفين، فأعلنوا صراحة أن السلام مع الصهاينة المحتلين لبيت المقدس خيار استراتيجي، وأعلنوا عن مبادرات تنازلوا فيها عن القدس واعترفوا فيها بإسرائيل، ووقعوا مع اليهود الاتفاقيات التي تضمن عدم قتالهم، ومحاربة كل من يحاربهم أو يفكر في مقاومتهم. وطبَّعوا علاقاتهم مع اليهود المحتلين، وتبادلوا معهم الزيارات والقبلات والسفارات، وصار الصهاينة يتجولون آمنين محروسين في شوارع وعواصم هؤلاء الحكام. كما ثبت فشل كل الحركات العلمانية التي سلكت للتحرير سبلاً بعيدة عن شرع الله تعالى، إذ أن زعماء كبرى هذه الحركات قد اعترفوا بدولة الصهاينة، وتعهدوا بوقف المقاومة، وبذلوا جهوداً مخلصة جادة في اعتقال المجاهدين، وسلموا كثيراً منهم للصهاينة، وأقاموا أجهزة أمنية لا هدف لها إلا خدمة الاحتلال الصهيوني، وأمدهم الصهاينة والأمريكان والأوربيون بالمال والسلاح والتجهيزات. سبعة عشر: انبرت الحركات الإسلامية في فلسطين لجهاد الصهاينة، وقد التف حولها معظم الفلسطينيين بعد أن تبين لهم زيف الأنظمة الرسمية، وفشل جميع الحركات العلمانية، ففجرت الانتفاضة سنة1987م، وقادت الجماهير، وأدخلت إلى ميادين الجهاد رجالاً لم يعهد الاحتلال مثلهم من قبل، وتطورت الانتفاضة على أيدي المجاهدين من مرحلة الحجارة إلى السكاكين، ثم إلى إطلاق النار، ثم إلى العمليات الاستشهادية، ثم إلى الصواريخ، وما زال جند الإسلام، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الحق يواصلون جهادهم، ويقضون مضاجع أعدائهم، ولا تلين لهم قناة، بالرغم من بطش عدوهم، وكثرة عدد شهدائهم، والحصار الشديد المفروض عليهم، وخذلان الأنظمة الرسمية لهم، وتآمر بعض أبناء جلدتهم من أهل الباطل عليهم. تلكم أيها الكرام قصة الصراع على القدس بين أهل الحق وأهل الباطل منذ فجر التاريخ والتي يتبين منها بجلاء معالم الطريق إلى قدسنا المغتصب، فهل من معتبر؟!
|
| |
|