د. زكريا إبراهيم السنوار
في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، تم توقيع اتفاق (واي بلانتيشين) في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تسعة أيام من المفاوضات والمساومات، بين الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء (إسرائيل)، والرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وبحضور العاهل الأردني الملك حسين. اشتمل هذا الاتفاق على عدة محاور هي : إعادة الانتشار، والأمن، وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، وقضايا اقتصادية، ومفاوضات الحل النهائي، وغير ذلك. وفي إعادة الانتشار تم الاتفاق على الانسحاب من 13% من مساحة الضفة الغربية وتسليمها لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وجاء في نص الاتفاق:
" وافقت (إسرائيل) على تنفيذ انسحابين من ثلاثة تعهدات، تنتقل بمقتضاها السيطرة على 27.2% من الأراضي في الضفة الغربية للفلسطينيين. يخضع حالياً 14.2% من أراضي الضفة الغربية للحكم الذاتي الفلسطيني، لكن سيطرة (إسرائيل) الأمنية ستنقل بالكامل إلى الحكم الفلسطيني. تنتقل السيطرة على 1% من أراضي الضفة الغربية من السيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى السيطرة الفلسطينية الكاملة. تنتقل السيطرة على 12% من أراضي الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى الحكم الذاتي الفلسطيني، منها 3% تخصص كمحمية طبيعية، تنفذ عليها عمليات البناء الفلسطينية".
أما من الناحية الأمنية التي كانت محوراً هاماً في الاتفاق، فقد تناولت : 1- اتفق الطرفان على اتخاذ جميع التدابير الضرورية لمنع أعمال الإرهاب والجريمة والعمليات الحربية ضد الطرف الآخر، ومن بينها تضمن خطة أمن فلسطينية تطلع عليها الولايات المتحدة للمكافحة المنهجية والفعالة للمنظمات الإرهابية وبنيتها الأساسية. 2- استئناف التعاون الأمني الإسرائيلي والفلسطيني، وتشكيل لجنة فلسطينية أمريكية لمراجعة الخطوات الفلسطينية المتخذة ضد الجماعات المتشددة. 3- يقوم الفلسطينيون باعتقال أشخاص معينين يشتبه في قيامهم بأعمال عنف، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم. 4- يعمل الفلسطينيون بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على تحريم حيازة الأسلحة، ومصادرة الأسلحة غير المرخصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. 5- يصدر الجانب الفلسطيني مرسوماًً يحظر فيه جميع أشكال التحريض على العنف أو الإرهاب، على غرار التشريع الإسرائيلي القائم في هذا الصدد، وتراقب لجنة أمريكية فلسطينية إسرائيلية قضايا التحريض على العنف. 6- تقوم لجنة أمريكية فلسطينية إسرائيلية رفيعة المستوى بتقييم التنسيق الأمنى الشامل ومكافحة المتشددين. واتفق الطرفان أيضاً على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، وجاء في نص الاتفاق: "تؤكد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس المركزي الفلسطيني مجدداً على ما ورد في رسالة حددت فقرات الميثاق الفلسطيني التي تدعو لتدمير دولة (إسرائيل) والتي تم إلغاؤها. ويدعو الرئيس ياسر عرفات المجلس الوطني الفلسطيني الذي يضم 7020 عضواً وهيئات فلسطينية عامة أخرى لتأكيد القرار آنف الذكر". إذن اتفاق واي بلانتيشين ركز على إعادة الانتشار، والجانب الأمني، ومكافحة الإرهاب والتشدد، والتعاون الأمني الأمريكي الفلسطيني الإسرائيلي، والتأكيد على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، وشطب عبارات تدمير (إسرائيل) من ذلك الميثاق. إن هذا الاتفاق يعني باختصار القضاء على المقاومة، وسلبها أسلحتها، ومحاكمة قادتها وعناصرها، بعد اعتقالهم والتحقيق معهم، مقابل إعادة انتشار في أراضي الضفة الغربية. التعاون الأمني وخدمة (إسرائيل) تمت على أفضل وجه في أراضي السلطة الفلسطينية، لكن المقاومة التي انحسرت بشكل كبير نتيجة لهذه الإجراءات لم تنته، وسرعان ما عادت للعمل من جديد، ورجعت لها عافيتها مع اندلاع انتفاضة الأقصى. أرادت أمريكا و(إسرائيل) شيئاً، وأراد الله شيئاً آخر، فكانت إرادة الله، ولا راد لإرادته عز وجل. |